الأربعاء، 4 ديسمبر 2019

سرعة البديهة :


تعريف سرعة البديهة :

 على أنها إحدى الصفات الإنسانيّة التي يتميز بها الأفراد، والتي تنتج عن قدرة ذهنية عالية، بحيث يكون لدى الفرد قدرة على التجاوب السريع مع ما يتلقاه من الخارج، ليفهم ما يُقال له من المرة الأولى، ويبدي ردة الفعل أو التصرف المناسب على ما تمّ تلقيه بأقصى سرعة ممكنة. يرتبط تعريف سرعة البديهة بسرعة الإنسان في إدراك الأشخاص، وبقدرتهم على التفكير بشكل مباشر فيما يُقال لهم، حيث تنتقل المعلومات من خلال وسائل الإدراك الحسي إلى دماغ الإنسان، ليتم ترجمة هذه المعلومات ذهنيًا بسرعة فائقة، ومن خلال ذلك يستطيع الإنسان إبداء حالة عالية من التجاوب السريع مع الأحداث الملموسة.





خصائص سرعة البديهة:
إن لسرعة البديهة مجموعة من الخصائص يجب أن يمتلكها الشّخص حتى يصبح سريع البديهة، وهذه الخصائص هي:

1- التّحول إلى التّفكير السّريع:
إنّ الشّخص سريع البديهة هو الّذي تكون إجابته سريعة ودقيقة، وهذا يدل على عمق تفكيره إضافة إلى سرعته في مختلف المواقف، إذ إنّ أفضل الأجوبة تلك الّتي تكون صائبة وسريعة، وكذلك تكون ذات حجة وإيجاز في اللفظ.

2- معرفة نتائج الإجابة:
الشّخص سريع البديهة هو الّذي يميز بين الجد والمزاح، فالإنسان الجاد هو الذي يتحمل نتائج مواقفة، أما الشّخص كثير المزاح فهو الذي يتعثر في مواقفه ونتائجها، وقد يُسبب الأذى لنفسه لذلك عليه أن يختار إجابةً بديهيّةً على أن تكون إجابته ذات نتائج محتملة أو متوقّعة.

3- تناسق جمل البديهيات:
الشّخص سريع البديهة هو الشّخص الّذي تتناسق جمل بديهياته؛ بحيث تكون جميعها ذات محتوى متناسق رفيع المستوى، وهذا التّناسق هو ذروة نضج الشّخص من النّاحية العقليّة.

4-الثّبات:
الشّخص سريع البديهة هو الشّخص الأكثر ثباتاً من ناحية النّشاط العقلي، بحيث يكون أداؤه العقلي ثابتاً في مختلف الظّروف وبذلك تصبح البديهة عنده شيئاً تلقائياً وعفوياً لا يتأثر بتغيّر المواقف.






أنواع سرعة البديهة:

سرعة البديهة لا تكون واحدةً وإنّما لها نوعان اثنان وهما:

1-  الدفاع عن النّفس بطريقة ظريفة ضد أي هجوم لفظي، ومن الأمثلة على هذا النّوع من سرعة البديهة؛ أن رجلاً سأل بشار بن برد قائلاً: ما أعمى الله رجلاً إلّا عوضه فبماذا عوّضك؟ فقال بشار: بأن لا أرى أمثالك. وفي مثال آخر؛ جاءت امرأة غير جميلة إلى دكانٍ للعطارة فلمّا نظر إليها صاحب الدّكان قال لها: وإذا الوحوش حشرت، فردت المرأة وقالت: وضَرب لنا مثلاً ونسي نفسه.

2- التّحدث وإظهار الملاحظات من خلال الفكاهة والطّرافة، ومن الأمثلة على هذا النّوع من سرعة البديهة؛ أن رجلاً سأل أبا حنيفة: إذا خلعت ثيابي ودخلت إلى النّهر لأغتسل، أَأُحول وَجهي إلى القِبلة أم خلافها؟ فقال له أبو حنيفة: الأفضل أن تحوّل وجهك إلى الجهة الّتي فيها ثيابك لئلا يسرقها أحد. وفي مثالٍ آخر؛ اجتمع كلٌ من الرّصافي، والزّهاوي (شاعران معروفان) على طبق من الأرز تعلوه دجاجة، فبدأ الرّصافي يأكل ما تحتها حتّى سقطت الدّجاجة أمامه، فأنشد وقال: عَرف الخير أهله فتقدم، فرد عليه الزّهاوي قائلاً: بل كَثر النّبش تحته فتهدّم




ماهي البديهة و كيف تنمّيها ؟

لكي تنمّي من سرعة بديهتك يجب أن نضع أوّلاً تعريف لسرعة البديهة ، و يمكن القول بأن البديهة هي الجواب الحاضر ، ليست أي إجابة سريعة عن أي سؤال ، و لكن إجابة سريعة وذكية و تعبّر عن معرفة بالموضوع و دقائقه . إذاً نحن نسعى إلى سرعة التّفكير من حيث الرّبط بين المواقف المختلفة و سرعة إسترجاع المعلومات المخزّنة و سرعة الرّد الذّكي من حيث إختيار الألفاظ و نبرة الصوت و تعبير الوجه إضافة إلى ذلك ! . الموضوع قد يبدو صعباً ، ولكن على العكس من ذلك فإن تنمية تلك المهارات لا تتطلّب سوى العمل على التالي :

1- تنمية المهارات العقلية :
من حيث القدرة على استرجاع المعلومات ، و الرّبط بين المواضيع و بعضها ، والإلمام بمعارف مختلفة في مجالات متنوعة . ويمكن تطوير ذلك عن طريق القراءة ، والقيام بالتمارين الرياضيّة التي تساعد على وصول الدّم للمخ فتقوّي من العمليّات الذهنيّة ، إلى جانب الإهتمام بالمأكولات التي تساعد على زيادة التركيز .

2- تنمية المهارات اللّغوية :
لأن اللّغة هي الوسيلة التي تعبّر بها عن أفكارك ، و اهتمامك باللّغة وطريقة تحدّثك ستجعلك تعبر عن ما يجول في خاطرك بالشكل الأنسب ، ولن تتعرّض لمواقف سوء الفهم بسبب عدم توفيقك في التعبيرات أو إختيار الألفاظ . والقراءات المختلفة هي المجال الأوسع لتطوير المهارات اللّغوية ، إضافة إلى التّواصل مع الناس في مواقف مختلفة ، حيث تضاف إليك خبرات لغويّة مع كل موقف تتعرض له .

3- الإستعداد النفسي :

ويتمثّل في هدوء الأعصاب بقدر الإمكان في المواقف المختلفة ، والقدرة على التحكّم في الإنفعالات ، إلى جانب الثقة بالنّفس ، والتصميم على إنجاز المهمّات . فالتخلّي عن الهدوء والثبات يوقعان بالشّخص في مشاكل عديدة وقد يفقد لأسباب مثل التوتّر أو الغضب للغاية التي يسعى إليها . و ممارسة التّمارين الرياضيّة و الإستماع إلى الموسيقى يحدّان من الغضب والتوتّر بشكل كبير .


كيف تصبح سريع البديهة :

بشكل ٍ نظريٍ يمكن للإنسان أن يصبح سريع البديهة من خلال أمرين مهمّين، وهما:

1-             الرّغبة الجادة:
حتّى يتعلّم الشّخص سرعة البديهة لا بد من وجود رغبة لديه، وهذه الرّغبة هي الخطوة الأولى للوصول لسرعة البديهة على أن يتبع هذه الرّغبة تصميم وإرادة.

2-             التّعلم بواسطة القراءة:
حتى يتعلم الشّخص سرعة البديهة لا بد له من التّعلم بواسطة القراءة؛ فالتّعلم هو إحدى وظائف الذكاء، فكلما كان الشّخص ذو ذكاء كلما كان لديه قدرة على التّعلم بشكلٍ أسرع وأوسع وأعمق، فالتّعلم يوسع من القدرات العقليّة للإنسان، ويجعله عميق التأملات الفكريّة، والفلسفيّة، عدا عن إثراء اتجاهاته الاجتماعيّة أيضا.



تلخيص كتاب سرعة البديهة :

سرعة البديهة وإن كانت تعني بالأصل سرعة الإدراك أو سرعة التفكير ولكنها تعني سرعة الحكم على الشيء الذي واجهك بناء على سرعة الإدراك، فالبديهة تعني الإدراك الفطري أو الإدراك الطبيعي، لأنه لا يحتاج إلى تأن وإعمال ذهن. وسرعة البديهة تأتي من سرعة التفكير بغض النظر عن هذا التفكير، سواء أكان عميقا أم مستنيرا أم عاديا، فالمهم هو السرعة، فسرعة البديهة تنافي التفكير البطيء ولكنها لا تنافي التفكير العميق ولا التفكير المستنير.


إن خوض معترك الحياة يقتضي النجاح فيه أمران، أحدهما: سرعة إصدار الحكم على الأشياء واتخاذ الإجراء المقتضى إزاءها، والثاني هو أن الفرص التي تسنح للمرء في معترك الحياة هي التي تجعله ينتقل من عليٍّ إلى أعلى بسرعة فيقطع بذلك مسافات، فإذا لم يغتنم هذه الفرص ضاعت عليه. وعدم وجود سرعة البديهة يحرم الإنسان من الانتفاع بالفرص، وإذا كان التعليم والتفكير من حيث هو إنما هو من أجل النجاح في معترك الحياة فإن هذا وأمثاله لا قيمة له إذا لم تصحبه سرعة البديهة.


لقد شغل الناس جميعا في الثاني (عمق التفكير، والتروي، والانتظار) حتى أخفقوا في معترك الحياة بل أخفقوا في طرد سلطان الاستعمار ونفوذه رغم الثورات. صحيح أن التفكير أمر لا بد منه، والتروي ضروري، ولكن ذلك إنما يكون في الأمور التي تحتاج إلى درس وتمحيص، إذا لم يفت أوانه، أو إذا كان الظرف مواتياً للتفكير، أما إذا كان الظرف غير موات للتفكير، وكان التفكير يضيع الفرصة، أو يؤدي إلى الهلاك فإنه هنا لا ينقذ إلا سرعة البديهة.


وهناك أمور كثيرة لا تقضى بسرعة البديهة، بل لا بد فيها من التفكير. فخوض معترك الحياة هو مطابقة التصرفات لمقتضى الحال: فإن كانت تقتضي تفكيراً، استعمل التفكير، وإن كانت تقتضي سرعة البديهة اتبعت سرعة البديهة.


وسرعة البديهة هذه فيها ثلاثة أمور: أحدها: تعريفها أي ما هي؟ والثاني واقعها عمليا، وإن كان تعريفها أو معرفة ما هي قد يرشد إلى واقعها عملياً، ولكنه غير الواقع. أما الأمر الثالث، فهو أمثلة من الحياة عن الاثنين.


إن الناس قسمان: أحدهما أصحاب البحث العلمي ومن هم على شاكلتهم، وأولئك هم الذين عملهم الاشتغال في التفكير. والثاني هم عامة النّاس. وكل من القسمين يختلف وضعه عن الآخر؛ لأن من هو متعود على التفكير غير من يكون التفكير طارئا عليه، لذلك يختلف العمل في كل منهما.


أما عامة الناس، ومنهم السياسيون التقليديون، فإن العمل لديهم يكفي فيه التعويد أو العادة على سرعة البديهة، فتصبح طبيعة لديهم. والمهم هنا هو سلوك التربية عن طريق طرح الأفكار على الناس بشكل جماهيري، والبعد عن التربية الفردية، والمهم كذلك مادة الحديث أو مادة الكتابة، بأن تكون فكراً، ليس محل نقاش بين السائل والناس، لأنه ليس المراد إقناعه بالفكر، بل المراد هو معرفة تصرفه. وإذا كان من المستحسن التفصيل في الطرح للأفكار فإنه مع الناس ليس مهماً، لأن الناس يأخذون الأمور ببساطة، ويفهمون ما يفهمون من الغامض والمبهم، والمهم هو جوابهم. وكثرة طروء الأشياء التي تحتاج إلى سرعة بديهة، والتمرين والعادة يساعدان على إيجاد سرعة البديهة، ولكنهما أو أيا منهما لا يوجدها.


أما إيجادها لدى الذين يعملون الفكر، وذلك أن يُحث هؤلاء على سرعة البديهة، فسرعة البديهة مع كونها من الأمور العميقة والتي يصح أن تدخلها الفلسفة والتفكير، ولكنها في نفس الوقت من الأمور الآلية أي تدخل في الفلسفة الآلية (الفلسفة الآلية أو التفكير الآلي: هي فلسفة الشيء الظاهر ، وتعريف الواضح غير المحتاج للتوضيح)، ولأن هؤلاء يعملون بالفكر، فتنشأ لديهم من هذه العادة اللجوء إلى التفكير في حل كل مشكلة، ولذلك ينشأ عندهم بطء التفكير، فإذا قيل لهم لا بد أن تكون لديهم سرعة البديهة، يسرعون في التفكير. ولا يحتاج منهم إلى معاناة أو أشياء جديدة، بل هم أنفسهم يعملون بالفكر وفي الفكر، فلا يحتاجون إلى شيء.


فهذه السرعة في التفكير هي نفسها سرعة البديهة، وهذه السرعة نفسها حين لا تصطدم بحائط، أو بمعوق تنتج فوراً الحكم على الشيء بسرعة، فيعرف حينئذ أن ذلك هو سرعة البديهة، وحين تصطدم بحائط أو بمعوقات يعرف حينئذ أنها 
من النوع الذي يحتاج إلى درس وتمحيص.




مواقف في سرعة البديهة:

 في تراثنا العربي نجد أمثلةً كثيرةً على سرعة البديهة، ومن هذه الأمثلة:

* أعطى أحد الملوك صبيّاً ديناراً فلم يأخذه الصّبي وقال للملك: إنّ والدي لم يسمح لي أن آخذ من أحد شيئاً، فقال له الملك: قل لأبيك إنّ الملك أعطاني إياه، فقال الصّبي: لن يصدقني، فقال له الملك: لماذا؟ فأجاب الصّبي لأنّ هذا ليس عطاء الملوك، فأعطاه الملك وجاد في العطاء.

* سأل مَلِك أحد وزرائه ما خير ما يُرزَقُهُ العبد؟ فقال الوزير:عقلٌ يعيش به، فقال الملك فإن عدمه؟ قال: فأدبٌ يتحلّى به، قال: فإن عدمه؟ فقال الوزير: فمال يستره، فقال الملك فإن عدمه؟ فقال الوزير: فصاعقة تحرقه فتريح منه العباد والبلاد.

* زار أحد الثّقلاء شيخاً مريضاً وجلس عنده مدة طويلة ثم قال له: انصحني يا شيخ، فقال له الشّيخ: إذا دخلت على مريض فلا تطل الجلوس عنده.


مقاطع فيديو .. عن سرعة البديهة :


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

عراق

تنمية بشرية