الصمت السلبي هو الصمت عن الحقوق التي يجب الصراخ لاقتصاصها لربما أودت
بنا الصرخات إلى أعماق الجحيم, لكن في الآن نفسه, نحن لا نتحدث بلسان الجبان الذي لا
يقوى على المفاوضة لأخذ حقوقه بل بلسان المتقي الطرف الآخر، حيث إنه كثيراً ما يكون
الصمت سيد الإنقاذ في كثير من الأمور, فكم ممن ناضلوا لأخذ حقوقهم, سقطوا في أعماق
الجحيم الذي لا قيعان لها, فالاقتصاص حتماً يتطلب التدبير بحكمة في غياهب الصمت, لا
بالصراخ والمفاوضة. والصمت عن قول الحق أيضاً هو من أنواع الصمت السلبي
الصمت والمجتمع
الصمت السلبي: تعبير يلجأ إليه
بعض الضحايا لشعورهم بالخوف والرعب الناتج عن فقدان الامان، وعدم الثقة بالنفس، والضعف
وعدم القدرة على البوح والشكوى، وغياب الاستعداد النفسي لمواجهة النتائج المترتبة على
الشكوى والبوح، وهناك من يلجأ للصمت السلبي لتحقيق مصالح خاصة.
المجتمع العربي بشكل عام مجتمع قائم على العادات والتقاليد
الاجتماعية الموروثة، مجتمع يؤمن بالقبلية، والعائلة الكبيرة، وبمكانة الشيخ أو الرئيس
أو كبير العائلة ودور الوالد، وأن الشيخ أبخص وأعرف، وعلى الصغير احترام الكبير، وعدم
الكلام والنقاش والانتقاد والمطالبة في حضور الكبير.
مجتمع تسيطر عليه العقلية الذكورية؛ كما أن أفراد المجتمع
من الجنسين يتميزون بالتواضع والبساطة إلى درجة السذاجة والثقة في الآخرين، وحب الاستقرار
والهدوء، والكرم، كما تنتشر في أوساط المجتمع حالة المجاملة في التعامل وعدم الصراحة
والشفافية، والازدواجية في الشخصية داخل المنزل وخارجه، وداخل الوطن وخارجه.
تخلف المجتمع
الصمت السلبي القاتل، يعتبر أحد أسباب تخلف أي مجتمع علميا
وفكريا واقتصاديا، وعدم بناء دولة قوية قائمة على أصول ديمقراطية مؤسساتية؛ وما الفساد
الإداري والفقر، والتشدد الديني والفكري والعصبية والمذهبية والقبلية، وضياع الحقوق،
وشيوع حالات السرقات والاعتداءات والاغتصاب، وعدم احترام القوانين، وزيادة معدلات الانتحار
.. إلا نتائج لهذا الصمت الاجتماعي القاتل.
أسباب
الصمت
أسباب انتشار ظاهرة الصمت السلبي تعود، بعد مسؤولية الحكومة
في الشأن السياسي والأمني والاقتصادي إلى: العادات التربوية داخل الأسرة والمجتمع القائمة
على عدم السماح للأبناء والبنات منذ فترة الطفولة بالنقاش والجدال والتفكير؛ ومنع النقد
والانتقاد، وتحريم الفلسفة، والتركيز على تجنب ثالوث المحرمات ـ الدين والسياسة والجنس
ـ، وإشاعة إن للجدران أذانا, وإن الشيخ أو المسؤول أبخص، وكذلك نقص الوعي بالمجال الحقوقي،
والجهل بالأنظمة والقوانين.
فضلا عن غياب الثقة بالنفس، وضعف الشعور الوطني بضرورة محاربة
الفساد وفضح كل من يستغل موقعه ويتجاوز حدوده ويعتدي على حقوق الآخرين، وعدم الشعور
بأهمية إيصال الصوت والشكوى إلى كبار المسؤولين، وعدم تفاعل الجهات الرسمية بالتجاوب
مع الشكاوي، بالإضافة إلى غياب الدعم الإعلامي لتلك المطالب والنداءات، وشيوع حالة
الانهزام والاستسلام، بالإضافة إلى عوامل أخرى
علاج الصمت
القاتل
الصمت السلبي مرض خطير على الفرد والمجتمع والأمة، يحتاج
إلى الكثير من الجهد والعمل للقضاء عليه.. والعلاج مسؤولية مشتركة بين الحكومة والمواطنين،
يبدأ أولا بمعالجة الأسباب المذكورة سابقا (أسباب الصمت) التي أسهمت في نشوء ثقافة
الصمت السلبي؛ انطلاقا من المنزل والمجتمع والمدرسة بكسر حاجز الخوف والرهبة، وتنمية
روح الثقة والمطالبة والمشاركة والصراحة والشفافية والمبادرة، وتعميم حالة المساواة
والعدالة والأمان، والتعددية المذهبية والفكرية، والتعامل مع المواطن بناءً على المواطنة
لا المناطقية والقبلية والمذهبية، والوعي بالحقوق الوطنية، وتقنين عادات العيب غير
الصحيحة والسليمة, وتحطيم روح الاستسلام والانهزام والسكوت عن الظلم، وتفعيل ممارسة
الديمقراطية الحقيقية من خلال مؤسسات المجتمع المدني، ومنها لجان حقوق الإنسان الأهلية،
وتطبيق العمليات الانتخابية، والحريات الإعلامية، والمحاسبة من خلال مجلس نواب حقيقي
له صلاحيات واسعة.


ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق